ما هو الاستجماتيزم؟ وكيف يمكن علاجه؟

نعمة البصر من أعظم النعم التي وهبنا الله إياها، فهي تتيح لنا التأمل والاستمتاع بجمال العالم من حولنا، وكذلك تُساعدنا في التعلم والتطور من خلال رؤية الأشياء بوضوح، وقد يُواجه بعض الأفراد صعوبة في تحديد معالم تلك الأشياء، فيراها ضبابية على جميع المسافات سواءً القريبة أو البعيدة، الأمر الذي يمنعه من إنجاز مهام عمله بكفاءة كالمعتاد، فما السبب وراء ذلك؟ يرجع الأمر إلى الإصابة بأحد عيوب الإبصار، وهو الاستجماتيزم.

والسؤال هنا ما هو الاستجماتيزم؟ وكيف يُمكن علاجه؟ هذا ما نتعرف إليه خلال سطور مقالة اليوم تفصيلًا.

    ما هو الاستجماتيزم في العين؟ وكيف تحدث الرؤية الطبيعية؟

    لفهم ما هو الاستجماتيزم في العين، ينبغي في البداية التعرف إلى الطريقة التي ترى بها العين. تعتمد الرؤية على عمل أجزاء العين معًا، بما يتضمن القرنية والعدسة والشبكية على النحو التالي:

    • يمر الضوء عبر القرنية (الجزء الشفاف الذي يُغطي مُقدمة العين) ويركزه من خلال العدسة على الشبكية في نقطة واحدة.
    • تحوّل الشبكية الضوء إلى إشارات كهربائية لإرسالها إلى العصب البصري، ثمَّ إلى المخ لتكوين الصور الواضحة التي نراها.

    كيف يحدث الاستجماتيزم؟

    لكن في حالة الإصابة بالاستجماتيزم، يحدث خلل في مسار هذه العملية نتيجة تغيّر سطح القرنية من الشكل المستدير إلى البيضاوي، ما يؤدي إلى تركيز الضوء في أكثر من نقطة على الشبكية، وبالتالي يكوّن المخ صورًا مشوشة وضبابية.

    وعادةً ما يُصاحب الاستجماتيزم أحد الأخطاء الانكسارية الأخرى، مثل قصر النظر أو طول النظر.

    ما هي أنواع الاستجماتيزم؟

    يتم تصنيف الاستجماتيزم بناءً على كيفية تركيز مسارات الضوء غير المنتظمة بالنسبة للشبكية. يمكن تبسيط الأنواع الرئيسية كالتالي:

    • الاستجماتيزم البسيط (Simple Astigmatism): هنا، يكون أحد محوري الضوء يتركز بشكل مثالي على الشبكية، بينما المحور الآخر يتركز أمامها (استجماتيزم بسيط مع قصر نظر) أو خلفها (استجماتيزم بسيط مع طول نظر).
    • الاستجماتيزم المركب (Compound Astigmatism): هذا هو النوع الأكثر شيوعاً. فيه، يتركز كلا محوري الضوء في نقطتين مختلفتين، وكلتاهما أمام الشبكية (استجماتيزم مركب مع قصر نظر) أو كلتاهما خلف الشبكية (استجماتيزم مركب مع طول نظر).
    • الاستجماتيزم المختلط (Mixed Astigmatism): في هذه الحالة، يتركز أحد محوري الضوء أمام الشبكية، بينما يتركز المحور الآخر خلفها.

    أسباب الإصابة بالاستجماتيزم

    تتعدد أسباب الاستجماتيزم لتشمل ما يلي:

    • العوامل الوراثية (Hereditary Cause):السبب الأكثر شيوعًا على الإطلاق؛ إذ يولد معظم الأشخاص بدرجة معينة من الاستجماتيزم نتيجة وراثة شكل القرنية من الوالدين.
    • أمراض القرنية (Corneal Diseases): بعض المشكلات الصحية قد تؤدي مع مرور الوقت إلى تغيّر في شكل القرنية، ومن أبرزها القرنية المخروطية (Keratoconus) التي تُضعف القرنية وتجعلها بارزة إلى الأمام بشكل مخروطي.
    • الإصابات أو العمليات الجراحية السابقة: أي إصابة تترك ندبة على القرنية أو بعض أنواع جراحات العيون قد تؤثر على انحناء سطح القرنية، مما يسبب ظهور الاستجماتيزم.
    • الضغط على القرنية: في حالات نادرة، يمكن أن يؤدي الضغط المستمر على القرنية، مثل فرك العين بقوة وبشكل متكرر أو وجود كيس دهني كبير على الجفن، إلى تغيّر طفيف في شكلها.

    أعراض الاستجماتيزم بالتفصيل

    من أهم أعراض الاستجماتيزم:

    • ضبابية الرؤية الشاملة: يعاني المريض من عدم وضوح في الرؤية سواء للمسافات البعيدة أو القريبة، حيث تبدو الحواف والتفاصيل الدقيقة “ممسوحة” أو غير محددة.
    • تشوه الأشكال (Distortion): قد تظهر الخطوط المستقيمة مائلة أو متموجة، وقد تبدو بعض الأجسام مسطحة أو أعرض من حجمها الطبيعي نتيجة اختلاف قوة الانكسار في محاور العين.
    • الإجهاد البصري التكيفي (Asthenopia): شعور سريع بالتعب وثقل في العين، خاصة بعد القراءة أو التركيز البصري، ناتج عن الجهد العضلي الزائد للعضلة الهدبية داخل العين لمحاولة ضبط البؤرة.
    • الصداع الجبهي والصدغي: شكوى شائعة، حيث يتسبب الجهد البصري المستمر في صداع يتركز غالباً في مقدمة الرأس أو حول العينين.
    • الحور (Squinting): يميل المريض لا إرادياً إلى تضييق عينيه (زم الجفون) لتحسين عمق المجال البصري وتقليل تشتت الضوء لرؤية التفاصيل بوضوح.
    • تدهور الرؤية الليلية: زيادة الانزعاج من الأضواء الساطعة ليلاً (مثل أضواء السيارات)، مع ظهور هالات وتوهج حول المصابيح (Glare & Halos).

    درجات الاستجماتيزم وكيف يتم قياسها

    تُقاس درجات الاستجماتيزم بالأرقام بوحدة تُسمى الديوبتر، وتنقسم إلى 3 درجات كالآتي:

    • الخفيف، ويقدر بأقل من 1 ديوبتر.
    • المتوسط، ويتراوح ما بين 1 و2 ديوبتر.
    • الشديد، ويبدأ من 2 ديوبتر حتى 4 ديوبتر.

    لذلك ستجد أن درجات الاستجماتيزم (خفيف – متوسط – شديد) ويتم تحديدها بناءً على تشخيص دقيق من الطبيب

    كيف يرى المصاب بالاستجماتيزم؟

    كما ذكرنا سلفًا، يُسبب الاستجماتيزم ضبابية في الرؤية، إضافة إلى عدّة أعراض أخرى مؤلمة، منها:

    • الصداع.
    • إجهاد العين.
    • صعوبة الرؤية ليلًا؛ لا سيما في أثناء القيادة.
    • رؤية هالات مزعجة حول الأضواء.
    • التحديق كثيرًا لرؤية الأشياء بوضوح.

    وتزداد حدة هذه الأعراض كلما ارتفعت درجة الاستجماتيزم، لهذا ننصحكم بالتوجه إلى طبيب العيون فور مُلاحظة أي من الأعراض السابق ذكرها، حتى لا تتطور درجات الاستجماتيزم نحو الأسوأ.

    تعرف إلى أسباب قرحة العين وأبرز أعراضها

    الفرق بين الاستجماتيزم وقصر النظر

    رغم أن كليهما يندرج تحت “عيوب الإبصار الانكسارية” وكثيراً ما يتلازمان في نفس العين، إلا أنهما يختلفان جذرياً في الآلية البصرية (Optical Mechanism) وطريقة تأثيرهما على جودة الصورة، حيث يتعلق قصر النظر بـ “طول محور العين”، بينما يتعلق الاستجماتيزم بـ “شكل سطح العين”.

    آلية الانكسار (مكان البؤرة):

    • قصر النظر: تتجمع الأشعة الضوئية في نقطة بؤرية واحدة تقع “أمام” الشبكية بدلاً من الوقوع عليها، مما يجعل البعيد غير واضح.
    • الاستجماتيزم: تتشتت الأشعة الضوئية في “نقطتين بؤريتين أو أكثر” (قد تكون إحداهما أمام الشبكية والأخرى خلفها)، مما يمنع تكون صورة واحدة حادة.

    طبيعة التشوه البصري:

    • قصر النظر: يؤثر حصرياً على رؤية الأشياء “البعيدة” التي تبدو ضبابية، بينما تظل الرؤية القريبة ممتازة.
    • الاستجماتيزم: يؤثر على جودة الرؤية في “جميع المسافات” (القريب والبعيد)، ويضيف عنصراً من “التشوه” والميلان للأشكال.

    تشبيه شكل القرنية:

    • قصر النظر: عادة ما تكون القرنية شديدة الانحناء (Steep) أو العين طويلة المحور، لكن سطحها منتظم كروي (مثل كرة القدم).
    • الاستجماتيزم: يكون سطح القرنية غير منتظم التكور، حيث يكون أحد المحاور أكثر انحناءً من الآخر (بيضاوي الشكل مثل كرة الرجبي أو البيضة).

     

    من هم الأكثر عرضة للإصابة بالاستجماتيزم؟

    من أجل معرفة ما هو الاستجماتيزم العين، يجب أن تعلم من هم الأشخاص المعرضون له حتى يكون الأمر أسهل عليك:

    • كل شخص لديه أحد أفراد عائلته يعاني من الاستجماتيزم.
    • الأشخاص التي تعاني من قصر أو طول نظر شديد.
    • من لديهم أمراض معينة في القرنية مثل هؤلاء المصابين بالقرنية المخروطية.
    • من خضعوا لجراحات في العين سابقاً مثل جراحة إزالة المياه البيضاء أو زراعة القرنية.

    كيف يتم تشخيص الاستجماتيزم؟

    يعتمد تشخيص الاستجماتيزم على تقييم شامل لطبواغرافيا وانكسار العين، لتحديد ليس فقط وجود الخطأ الانكساري، بل أيضاً درجته (Magnitude) واتجاه محوره (Axis)، وهو أمر حيوي لتفصيل العدسات المصححة أو التخطيط للجراحة.

    • اختبار حدة الإبصار (Visual Acuity): الفحص المبدئي باستخدام لوحات العلامات (Snellen chart) لتحديد مدى تدني القدرة البصرية.
    • جهاز قياس الانكسار (Keratometry/Refraction): يستخدم الطبيب جهاز “الفوروبتر” (Phoropter) لتجربة عدسات مختلفة أمام عين المريض لتحديد العدسة الاسطوانية (Cylindrical lens) التي تصحح التشوه بدقة.
    • طبوغرافيا القرنية (Corneal Topography): الفحص الأكثر دقة وتطوراً، حيث يقوم برسم خريطة لونية ثلاثية الأبعاد لسطح القرنية؛ للكشف عن أي عدم انتظام في السطح، وهو ضروري جداً للتفريق بين الاستجماتيزم العادي وحالات “القرنية المخروطية”.
    • تنظير الشبكية (Retinoscopy): اختبار موضوعي يسلط فيه الطبيب ضوءاً على العين ويراقب انعكاسه لتقدير الخطأ الانكساري، مفيد جداً للأطفال أو غير القادرين على التجاوب.

    طرق علاج الاستجماتيزم المختلفة

    قبل التحدث عن طرق العلاج يجب معرفة أعراض الاستجماتيزم: زغللة، صداع، إجهاد العين، صعوبة في الرؤية ليلاً، وبالتالي يكون الهدف الأساسي من العلاج هو تخفيف أعراض الاستجماتيزم وجعل الرؤية أكثر وضوحًا، وتتضمن وسائل العلاج ما يلي:

    تصحيح الاستجماتيزم بالنظارات

    تُعالِج عدسات النظارات الطبية الاستجماتيزم من خلال تصحيح مسار الضوء الداخل إلى العين حتى يتركز في نقطة مُحددة على الشبكية، وأهم ما يُميز هذه الوسيلة أنها خيار علاجي مثالي للأطفال فهي سهلة الاستخدام وتكلفتها منخفضة.

    هل يمكن علاج الاستجماتيزم نهائيًا بالنظارة؟

    النظارة الطبية ليست علاجًا نهائيًا، فهي لا تُعيد القرنية إلى شكلها الطبيعي، لهذا السبب تستمر مدة علاج الاستجماتيزم بالنظارات مدى الحياة، فدورها مقصور على تحسين مستوى الرؤية لدى المريض وأعانته على مواصلة مهامه دونَّ كلل والحد من تفاقم هذا الخطأ الانكساري.

    العدسات المخصصة للاستجماتيزم

    تعمل العدسات اللاصقة على تصحيح انحناء القرنية ويتوفر منها نوعين، هما:

    • اللينة: وهي مُريحة للأشخاص الذين يرغبون في الاستغناء عن النظارات الطبية خلال ممارسة الأنشطة الرياضية والمناسبات.
    • الصلبة: وتعمل على إعادة تشكيل سطح القرنية مع مرور الوقت.

    وتتطلب العدسات اللاصقة عناية خاصة، فقد تُسبب العدوى إذا لم تُنظف أو تُعقم جيدًا بعد كل استخدام.

    الجراحة

    تُعدّ الجراحة حلًا فعالًا لـ علاج الاستجماتيزم للكبار، خاصةً أولئك الذين يعانون درجات شديدة منها ويرغبون في التخلص من قيود النظارات الطبية والعدسات اللاصقة.

    وتُعيد الجراحة القرنية إلى شكلها المستدير لتقوم بوظيفتها على أكمل وجه، وتُجرى تحت تأثير التخدير الموضعي في غضون دقائق معدودة.

    وتتضمن العمليات الجراحية لعلاج الاستجماتيزم: الليزك أو الليزر السطحي (PRK)، ويختار الطبيب الأنسب منها تبعًا لنتائج الفحوصات التشخيصية لكل مريض.

    الوقاية من الاستجماتيزم ونصائح للحفاظ على صحة العين

    من الناحية الطبية، يُعتبر الاستجماتيزم في الغالب حالة وراثية أو خلقية مرتبطة ببنية العين التشريحية، وبالتالي لا توجد طرق مؤكدة لمنع حدوثه بالكامل. ومع ذلك، يمكن اتباع تدابير وقائية لمنع تطوره (خاصة النوع الناتج عن القرنية المخروطية) والحفاظ على صحة العين العامة وتقليل الإجهاد الناتج عنه.

    • حظر فرك العين (Eye Rubbing): هذه هي النصيحة الأهم؛ فرك العين بقوة وبشكل متكرر قد يؤدي ميكانيكياً إلى إضعاف أنسجة القرنية وتغيير شكلها، مما قد يحول الاستجماتيزم البسيط إلى قرنية مخروطية مرضية.
    • الفحص الدوري المنتظم: الكشف السنوي يساعد في اكتشاف أي تغيرات في درجات الانحراف وتعديل النظارات، مما يقلل العبء العصبي على الدماغ والعين.
    • الإضاءة المناسبة والمسافة الصحية: عند القراءة أو العمل، يجب توفير إضاءة جيدة والاحتفاظ بمسافة لا تقل عن 30-40 سم لتخفيف الضغط على عضلات العين المسؤولة عن التركيز.
    • قاعدة 20-20-20: للتقليل من إجهاد العين الرقمي (Digital Eye Strain) الذي يفاقم أعراض الاستجماتيزم: كل 20 دقيقة، انظر لشيء يبعد 20 قدماً (6 أمتار) لمدة 20 ثانية.
    • علاج أمراض الجفون: علاج حالات مثل الرمد الربيعي أو التهاب الجفن بسرعة، لأنها تسبب حكة تدفع المريض لفرك عينيه، مما يضر بالقرنية.

     

    هذا مُلخص لأهم ما نوّد ذكره فيما يخص الإجابة عن السؤال ما هو الاستجماتيزم وما علاجه، وفيما يلي نُجيبكم عن بعض الأسئلة الشائعة التي تدور في أذهان جمهور المرضى حول هذا الخطأ الانكساري.

    تعرف على أعراض وأسباب كسل العين

    أبرز الأسئلة الشائعة حول الاستجماتيزم

    متى يتوقف الاستجماتيزم؟

    يتوقف الاستجماتيزم عادةً بحلول الشخص عمر الـ 25 عامًا، لكنه في بعض الأحيان قد يتفاقم وتزداد درجته نتيجة الإصابة بأمراض أخرى في العين أو التقدم في العمر؛ لذا ينبغي للمُصاب المُتابعة الدورية مع طبيب العيون كل سنتين بعد تجاوز سن الأربعين.

    هل يتحسن الاستجماتيزم عند الكبار من تلقاء نفسه؟

    لا يتحسن الاستجماتيزم دونَّ علاج، فهو خطأ انكساري يستلزم تصحيحه طبيًا إما من خلال النظارات أو العدسات اللاصقة أو الجراحة، لذا لا يزول من تلقاء نفسه.

    هل توجد قطرة لعلاج الاستجماتيزم عند الأطفال؟

    قد يعتقد بعض أولياء الأمور أن بالإمكان علاج الاستجماتيزم عند الأطفال بالقطرات، لكن من المؤسف لا توجد أدوية تعمل على ذلك، فيا تُرى ما السبب؟

    كما ذكرنا مُسبقًا، يحدث الاستجماتيزم نتيجة تغير شكل القرنية إلى الشكل البيضاوي، الأمر الذي يصعب تصحيحه بقطرة عين، لكن يُمكن تحسين مستوى الرؤية لدى الأطفال من خلال ارتداء النظارات الطبية ومُتابعة درجة الاستجماتيزم بصفة دورية؛ لتعديل مقاسات العدسات إذا تطور الاستجماتيزم.

    وفي نهاية مقالنا الذي أجبنا خلاله عن السؤال “ما هو الاستجماتيزم؟”، نؤكد على ضرورة الذهاب إلى الطبيب المُختص إذا كنت تُعاني من أعراض هذا الخطأ الانكساري، لتتلقى العلاج المناسب لحالتك.

    لا تدع الاستجماتيزم يُجهد عينيك ويشوش رؤيتك، احجز موعدك الآن مع الدكتور أحمد سعيد -استشاري طب وجراحة العيون- عبر الاتصال على الأرقام الموضحة أدناه في موقعنا الإلكتروني.

    تعرف على المزيد من المواضيع حول: